قال الرسول بولس لأهل أفسس في رسالة اليوم: «المسيح هو سلامُنا». هذا يعنى ان الذين ينتسبون إلى المسيح يُجابهون كل قوة بهذا القول: «المسيح هو سلامنا»، ويعني أيضًـا أن الذي يستعمل وسائل غير وسيلة المسيح لا يساهم في بناء السلام الذي جاء الناصري ليؤكده.
قيل عن يسوع في الكتاب المقدّس انه هو السلام لأن السلام من أسماء الله، وبالتالي لا يستطيع أن يأتي بسلام الا ذاك الذي يُقرّ العدل، وبعد أن يُقرّ العدل يُقرّ المحبة. فلا محبة بلا عدل، ولا عدل إذا تعمّدنا قتل الأبرياء، ولا عدل إذا قصدنا الحرب ونحن نتكلم بالسلام. فقد قال نبيّ لليهود في ما مضى: «سلام، سلام، وليس سلام» (إرميا ٦: ١٤) اي انهم يقولون «سلام» وهم يُضمرون الحرب.
من أراد إحلال السلام يُقرّ أولا ان العدل هو السلام. يبدأ من العدل لا من الخوف. يُقرّ العدل لكل الناس، لمن نتخوّف منهم ولمن لا نتخوّف منهم. الإنسان العادل يطرح الخوف خارجا حسب قول يوحنا الرسول في رسالته الأولى: «لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج» (٤: ١٨).
«المسيح هو سلامُنا»، والمسيح لا يعني ان الناس يجب ان يتوسّطوا أو ان يتصدّوا للناس حتى يكونوا أبناء العدل. كل الذين يعدُلون، مهما كان معتقدهم، تنطبق عليهم هده الكلمة «المسيح هو سلامُنا». كم من دولة لا تقوم على العدل وتفرّق بين الكبير والصغير وبين القوي والضعيف هي ساحقة ليسوع الناصريّ وترفعه اليوم على خشبة.
«المسيح سلامُنا». العدل سلامُنا. هذه هي اللغة التي نتخاطب بها بين الشعوب. اللغة المسيحية الواحدة هي لغة العدل، وبعد ذلك نتكلم عن معمودية منسوبة بالمعمودية وبالتسميات وبالتاريخ. وهو «الذي يجعل الإثنين في نفسه إنسانا واحدا». إذا تخاصم اثنان، يأتيان اليه، وما عدا ذلك فتسوية. يأتي الاثنان اليه أي إلى البر وإلى الحق. فالمسيح وحده محا «حائط السياج الحاجز أي العداوة». العداوة لا تبطُل على موائد السلام، ولا تبطُل في قوى حفظ السلام، العداوة تبطُل في القلب. وإذا كانت القلوب مشحونة بالبغضاء وبالاحتقار لمن أذلّوا مئات السنين، فلا خلاص الا بالمسيح هو الذي مع المسحوقين ومع المظلومين كائنا من كانوا.
المسيح هو الذي يجعل ابن البشر إنسانا واحدا جديدا بإجرائه السلام. هو يُصالح كليهما في جسد واحد مع الله بقتله العداوة. جاء وبشّرهم بالسلام البعيدين منهم والقريبين. ولهذا نحن مدعوّون لتحقيق السلام في بلادنا وفي جوارنا، هذا ما معناه أننا أبناء السلام. المسيحي هو الذي يعطي الثقة لأن الثقة لا تقتل الشعوب ولأن الثقة تُطْلق الصَدِيق والعدو.
فإن كنا أبناء القيامة، فهذا يعني أن لنا ثقة بأن الحياة تأتي من الموت. وإن كنا أبناء القيامة، فهذا يعني أننا بثقتنا نشجّع الخائفين. وإن كنا من ابناء القيامة، فهذا يعني إقرارا أكيدا وصريحا وعميقا ومُخلصا أن العدل والسلام يسودان الأرض وأن المسيح سيد الكل.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 46، الأحد 15 تشرين الثاني 2015