Πέμπτη 6 Νοεμβρίου 2025

رِحْلَةُ الغُرْبَةِ

رِحْلَةُ الغُرْبَةِ

وَخَرَجَ نِكْتاريوس إِلى أَثِينَا، فَحَسِبَتْهُ السُّلُطاتُ الكَنَسِيَّةُ وَالمَدَنِيَّةُ هُناكَ غَرِيبًا، أُسْقُفًا عابِرًا عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ عَلَامَةِ سُؤَالٍ. وَقَدْ عانَى مِنْ ظُرُوفٍ وَلا أَقْسَى. حَتّى الخُبْزُ نَقَصَهُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي طاقَةِ يَدِهِ أَنْ يُسَدِّدَ حَتّى إِيجارَ غُرْفَتِهِ، إِلى أَنْ عَفَتْهُ صاحِبَةُ البَيْتِ مِنَ المُتَوَجِّبِ عَلَيْهِ وَصارَتْ تُقِيتُهُ. أَمّا القَلِيلُ القَلِيلُ الَّذِي كانَ بِحَوْزَتِهِ أَوْ كانَ يَصِلُ إِلى يَدِهِ فَكانَ يَذْهَبُ بِيُسْرٍ إِلى فَقِيرٍ يَلْتَقِيهِ هُنا وَآخَرَ يَلْتَقِيهِ هُناكَ.

وَبَعْدَ جُهْدٍ ارْتَضَتِ السُّلُطاتُ تَعْيِينَهُ واعِظًا، بَعِيدًا فِي بَعْضِ الجُزُرِ، كَما لِتَنْفِيَهِ. أَمّا هُوَ فَلا نَقُولُ إِنَّهُ أَذْعَنَ لِلأَمْرِ الواقِعِ بَل شَكَرَ الرَّبَّ جَزِيلًا عَلَى تَعْيِينِهِ وَكانَ الفَرَحُ مَلَأَهُ. هَمُّهُ أَوَّلًا وَأَخِيرًا كانَ نَشْرَ الكَلِمَةِ وَبَعْثَ الأُرْثوذُكْسِيَّةِ فِي النُّفُوسِ.

وَما أَنْ حَطَّ نِكْتاريوس قَدَمَهُ فِي المَوْطِنِ الجَدِيدِ حَتّى اكْتَشَفَ أَنَّ الإِشَاعَاتِ المُغْرِضَةَ بِشَأْنِهِ كانَتْ قَدْ سَبَقَتْهُ إِلَيْهِ. وَعَلَى مَدَى ثَلاثَةِ آحادٍ جاءَ الكَنِيسَةَ واعِظًا، فَسَخِرَ مِنْهُ النّاسُ وَأَمْطَرُوهُ كَلامًا مُهِينًا وَاتَّهَمُوهُ بِالرِّيَاءِ وَالفَرِّيسِيَّةِ. وَكادَ، بَعْدَ ذَلِكَ، أَنْ يَيْأَسَ وَيَرْحَلَ إِلى جَبَلِ آثوس، وَلَكِنَّهُ صَبَرَ. عادَ مَرَّةً بَعْدَ إِحْدَى خَيْبَاتِهِ، مَكْسُورَ النَّفْسِ مَوْجُوعًا. عادَ إِلى غُرْفَتِهِ وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلى المَصْلُوبِ وَسَأَلَ: «ماذا فَعَلْتُ حَتّى كَرِهُونِي إِلى هَذَا الحَدِّ؟» فَشَعَرَ فِي نَفْسِهِ بِرَعْدَةٍ وَلَهَبٍ، وَإِذا بِصَوْتٍ صَمُوتٍ يَأْتِيهِ مِنَ الصَّلِيبِ لِيَغْمُرَ كِيَانَهُ كُلَّهُ: «وَأَنَا، ماذا فَعَلْتُ حَتّى كَرِهَنِي الَّذِينَ صَلَبُونِي إِلى هَذَا الحَدِّ؟» إِذْ ذَاكَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَتَعَزَّى وَقَرَّرَ إِعَادَةَ الكَرَّةِ مِنْ جَدِيدٍ.

وَكَمَا سَعَى الوُشَاةُ إِلى تَشْوِيهِ سُمْعَتِهِ، وَصَلَتْ أَخْبَارٌ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، مِنْ بَعْضِ مَعَارِفِهِ مِمَّنْ أَحَبُّوهُ، أَنَّهُ ضَحِيَّةُ حَسَدِ الحاسِدِينَ وَافْتِرَاءِ المُفْتَرِينَ. وَكانَتِ النَّتِيجَةُ أَنْ شَعَرَ النّاسُ بِوَخْزِ الضَّمِيرِ. وَبِقَدْرِ ما كانَ نَبْذُهُم لَهُ قَوِيًّا فِي البِدايَةِ، صارَ التِفافُهُم حَوْلَهُ أَقْوَى بَعْدَ ذَلِكَ.

مِنْ حَياةِ أَبِينَا البَارِّ القُدِّيسِ نِكْتاريوس، أُسْقُفِ المُدُنِ الخَمْسِ، الصّانِعِ العَجَائِبِ وَمُؤَسِّسِ دَيْرِ الثّالوثِ القُدّوسِ فِي جَزِيرَةِ آيينا اليُونانِيَّةِ.